لبعض الوقت، بدت المراهنة غير المسبوقة للاتحاد الأميركي القومي للأسلحة على دونالد ترامب، أنها تجلب نوعاً من سوء الحظ الذي كابده كثير من المراهنين عليه، لكن وصول جائجة كورونا غيّر كل هذا فيما يبدو، ولننظر إلى ما كان عليه الاتحاد الأميركي القومي للأسلحة قبل بضعة شهور فحسب، فبعد أن أنفق أكثر من 30 مليون دولار لمساعدة الرئيس ترامب، تم ضبط الاتحاد متورطاً في فضيحة تتعلق بروسيا، حين تم الكشف عن تقربه من وسطاء تابعين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بينما تم اختراقه من امرأة روسية شابة قدّمت نفسها باعتبارها من الناشطين في مجال امتلاك المسدسات، وكانت تحصل على توجيهات مفصلة من حليف مقرب من الكرملين، وظهرت أيضاً سلسلة من الفضائح المالية الخطيرة كشفت عن تمتع وين لابيير، زعيم الاتحاد القومي الأميركي للأسلحة، وآخرين، بفوائد سخية لأنفسهم وتناحر مرير فيما بينهم، وتبع هذا التقدم بدعاوى ودعاوى مضادة وعمليات فصل وعجز مالي.
والأسوأ من كل هذا، هو أن مبيعات المسدسات انخفضت بشدة، فتحول السلطة الرئاسية من ديمقراطي أسود إلى قومي أبيض، ربما أصاب عشرات الملايين من الأميركيين بالخوف والرعب، لكن الرجال البيض المحافظين الأكبر سناً لم يكونوا هم بصفة عامة الذين أبقوا الصناعة منتعشة، فقد انتهى انتعاش مبيعات الأسلحة في عهد أوباما، وابتدأ ركود عصر ترامب، ومع وصول مرض كوفيد-19 الذي يسببه فيروس كورونا، عاد معه الرعب، مما أنعش عالم المسدسات، والخوف هو أساس صناعة المسدسات، وفحص سجل مشتري المسدسات تصاعد بالتوازي مع تصاعد حالات كوفيد-19 التي لا تخضع لفحص، وتصاعدت أسهم منتجي المسدسات والذخيرة، وبعد وقوع الاتحاد في هوة الفضيحة، عاد مرة أخرى يصعد بجرأة.
وتقدم الاتحاد في الآونة الأخيرة بدعوى قضائية ضد ولاية نيويورك وعدد آخر من الكيانات، مطالباً بأن تعتبر الجهات الرسمية متاجر المسدسات أنشطة اقتصادية أساسية، يجب السماح لها بالبقاء مفتوحة أثناء الإغلاق الذي تفرضه الولايات بسبب جائجة كورونا. واتهم نص الدعوى مسؤولي الولاية بأنهم «خرجوا عن نطاق مهامهم بحماية متاجر الكحوليات، وإطلاق سراح المجرمين في الشوارع»، وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن المجرمين الذين يتعاطون الكحوليات ويهيمون على وجوههم دون رادع، سيصلون إلى منزلك في أي وقت، وإذا عز عليك فهم هذه النقطة الدقيقة، فقد أوضحها الاتحاد بنشر مقطع مصور لامرأة سوداء من ذوي الاحتياجات الخاصة، تمسك ببندقية نصف آلية كآخر خط دفاعي ضد الفيروس.
ورغم أن الفيروس جديد، فإن الوسيلة مألوفة، فبعد شهور قليلة من وقوع إعصار ساندي، وتسببه في خسائر بعشرات المليارات على الساحل الشرقي، نشر لابيير مقالاً أطلق عليه «عالم الجحيم» في مدينة نيويورك عشية العاصفة، وأشار لابيير إلى أن النهابين يجوبون بجنون في بروكلين، لكن الناجين في المدينة التي دمرتها العاصفة، ومن بين هؤلاء بول براون المتحدث باسم شرطة نيويورك، الذي صرح لصحيفة «ديلي نيوز» في نيويورك، أنه لم تقع أعمال قتل أو إطلاق نار أو اغتصاب في ساوث بروكلين بعد الإعصار، والواقع أن براون قال إن الجريمة إجمالاً في المدينة التي تعد واحدة من أكثر مدن البلاد أمناً، انخفضت بنحو 25%.
ولطالما دافع لابيير عن أنه لا يمكن الاحتماء بالحكومة، ولا يمكن حماية الأميركيين من العنف إلا بامتلاك المسدسات، وسأل لابيير أشخاصاً حضروا مؤتمر الاتحاد الأميركي للأسلحة عام 2014 قائلاً: «هل تثق في أن هذه الحكومة ستحميك حقاً أنت وأسرتك؟ ألا ينبغي أن نعتمد على أنفسنا؟»، وعمل الاتحاد جاهداً ليقدم رؤيته الغربية تلك عن عالم كابوسي، والآن مع فشل إدارة ترامب في توجيه الحكومة لحماية المواطنين أو الاقتصاد، ظهرت حالة من الفوضى والخوف ينتعش في ظلها الاتحاد الأميركي للأسلحة، وقدم ترامب أقصى ما كان يحلم به الاتحاد الأميركي للأسلحة، بتعيينات القضاة المتسامحين من انتشار المسدسات، كما أظهر عدم كفاءة مزعزعة للثقة.. مما يدفع إلى التسابق نحو امتلاك الأسلحة، لقد قدمت إدارة ترامب الدليل الدامغ على فرضية اتحاد الأسلحة، وهو أن الحكومة لا يمكنها حماية المواطن، وأثبتت افتراض الاتحاد بأن القيادة مقصرة، والعالم ستتقوض أركانه، ومن الأفضل امتلاك المرء سلاحاً، وحبذا لو كان سلاحاً به هامش ربح كبير.

*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»